مقالات

في مواجهة الأزمات: كيف يبقى التعليم حاضرًا في حياة الأطفال؟

بينما يشهد العالم اضطرابات متوالية، يعيش ملايين الأطفال ظروفًا إنسانية عصيبة تسببت بها الحروب، والنزاعات، والكوارث الطبيعية، محرومين من حق أساسي يُشكّل حجر الأساس لمستقبلهم ألا وهو التعليم.
فإن يتلقى الطفل تعليمه في خضم الأزمات، يعني أنه يمسك بخيط الأمل، ويجابه النسيان بإصرار على البقاء والمعرفة.

مأساة منسية: 224 مليون طفل خارج المدرسة
بحسب منظمة الأمم المتحدة، فإن أكثر من 224 مليون طفل حول العالم لا يتمكنون من الحصول على تعليم منتظم، نتيجة النزوح، أو العنف، أو انهيار البنى التحتية. وفي بعض البلدان، تمرّ السنوات دون أن تُفتح فيها مدرسة، أو أن تُستأنف فيها العملية التعليمية.

ورغم ما تشير إليه هذه الأرقام من تحديات عميقة تواجه حق الأطفال في التعليم، تظل هناك نماذج تُجسّد الإصرار على التعلّم، حتى في أقسى الظروف؛ إذ يواصل أطفال تعليمهم في خيام متواضعة، أو عبر موجات الأثير، متمسكين بالمعرفة باعتبارها وسيلة للبقاء، وموقنين بأنها الخطوة الأولى نحو النجاة وبناء الذات.

لماذا يُعد التعليم أكثر من مجرد حق.. بل ركيزة للهوية، والأمان، وبناء المستقبل؟
في أوقات الأزمات، يُشكّل التعليم أكثر من مجرد وسيلة للمعرفة، إذ تُوفّر المدرسة بيئة آمنة تعيد للطفل شيئًا من الاستقرار والروتين في واقعٍ مضطرب. ويسهم التعليم في تقليص احتمالات استغلال الأطفال في النزاعات المسلحة أو دفعهم إلى ممارسات غير إنسانية، في حين يُعدّ الطفل المتعلم اليوم ركيزة أساسية في مسار تعافي مجتمعه مستقبلًا. ومن جانب آخر، يحافظ التعليم على لغة الطفل وهويته الثقافية، ويبقي صلته حيّة بمجتمعه الأصلي رغم التهجير.

كيف تتكيّف الجهود الإنسانية مع انهيار البيئة التعليمية؟
في البيئات التي تنهار فيها البُنى التعليمية أو تغيب عنها الكوادر التدريسية، تلجأ المنظمات الإنسانية إلى نماذج مرنة تُمكّن الأطفال من مواصلة تعليمهم رغم الظروف القاسية. من بين هذه الاستجابات، تُهيأ بيئات دراسية مؤقتة قابلة للنقل، على شكل خيام أو وحدات متنقلة، يمكن إعادة تهيئتها بسهولة وفق الحاجة. كما يُعتمد على التعليم الإذاعي أو الرقمي لإيصال المناهج إلى الأطفال في المناطق المعزولة التي يصعب الوصول إليها. وفي حالات النزوح الواسعة، يُوظَّف معلمون متنقّلون يتنقّلون بين المواقع لتقديم التعليم الأساسي، في حين يُفعَّل دور المجتمع المحلي من خلال تدريب الكبار في المخيمات لتقديم تعليم غير رسمي يُعوض غياب المدارس. وللاستجابة الفورية، تُوزَّع حقائب تعليمية طارئة تحتوي على أدوات خفيفة وسهلة النقل، تُستخدم في الأيام الأولى من الكارثة لضمان عدم انقطاع الطفل عن التعلم.

جهود “فاعل خير” في دعم التعليم حول العالم
في إطار التزامها بتعزيز فرص التعليم في البيئات المتضررة، قدمت مؤسسة الملك عبدالله العالمية للأعمال الإنسانية مشروع نوعي نُفّذ ضمن برنامج خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود للأعمال الخيرية “فاعل خير”، استجابةً لإعصار سدر في بنغلاديش، كنموذج رائد في التصدي للكوارث البيئية. وقد تضمن إنشاء مدارس متعددة الاستخدام وذاتية الاكتفاء، تعمل كمؤسسات تعليمية خلال الأيام العادية، وتتحول إلى ملاجئ آمنة عند وقوع الكوارث الطبيعية. ويجسّد هذ النموذج رؤية متكاملة تعزّز استمرارية التعليم، وتدعم الأمن المجتمعي، وترسّخ التعليم بوصفه عنصرًا أساسيًا ضمن منظومة الوقاية والتعافي وتمكين الإنسان.

التحديات لا تزال قائمة
رغم الجهود الإنسانية العالمية، لا تزال الفجوات في دعم التعليم كبيرة. فأقل من 3% من إجمالي المساعدات الإنسانية العالمية تُوجَّه لقطاع التعليم، مما يُضعف القدرة على الاستجابة. وفي العديد من الدول المتأثرة، تفتقر المدارس إلى البنية الرقمية الأساسية، حيث لا تتوفر أجهزة أو اتصال بالإنترنت. كما يعاني القطاع من نقص حاد في المعلمين المؤهلين، إذ يعتمد تعليم اللاجئين في كثير من الحالات على متطوعين غير مؤهلين. وتبقى الفتيات الأكثر تأثرًا، إذ تؤدي النزاعات إلى تضاعف احتمالية حرمانهن من التعليم.

الأمل يبدأ من الدرس الأول
في عيون طفلٍ يتلقّى تعليمه في بيئة متواضعة ووسط ظروف قاسية، تتجسّد أسمى معاني الرسالة الإنسانية؛ فالأمل يجد معناه الحقيقي في الإرادة الصادقة، وفي الشراكة التي تُعلي من شأن التعليم بوصفه حقًا أصيلًا، لا يتغيّر بثقل التحديات.

ومن منطلق هذا الأمل، فإنّ ضمان وصول التعليم إلى الأطفال في البيئات الأشد هشاشة هو التزام إنساني ومسؤولية مشتركة، تتطلب تضافر الجهود، وتمكين الأجيال من بناء مستقبل يُعبّر عن إمكاناتهم، ويُلبي تطلعاتهم، ويصون حقهم الأصيل في تعليم عادل، وآمن، ومستدام.

قريبــــاً!

أبقى مطلعاً

قم بالتسجيل بالقائمة البريدية لتبقى على اطلاعٍ دائم بآخر أخبار مؤسسة الملك عبدالله الإنسانية. نحن عادة لا نرسل أكثر من نشرتين بالشهر. وبإمكانك إلغاء الاشتراك بالقائمة البريدية عبر الرابط الموضح بآخر كل رسالةٍ تصلك من طرفنا ولن نقوم بعدها بإرسال المزيد من النشرات. كما أنه لن يتم مشاركة بريدك الإلكتروني مع أي جهة خارجية أو استعماله لغرض آخر.